قسوة القلب
عصمت عمر
إن الغفلة عن مراقبة علام الغيوب والغفلة عن الهدى، والإِعراض عن مسلك الرشد، وإتباع الهوى وإيثار الحياة الدنيا، من أشر وأخطر ما يصيب القلوب عقوبة بآفة القسوة.
فإن من أعظم العقوبات التي يُبتلى بها العبد قسوة القلب.
قال سهل بن عبدالله: "كل عقوبة طهارة، إلا عقوبة القلب فإنها قسوة"(حلية الأولياء وطبقات الأصفياء/لأبي نعيم).
قال ابن منظور: "القسوة في القلب ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه" (لسان العرب).
وقال القرطبي: "القسوة الصلابة والشدة واليُبس، وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى".
وقال مالك بن دينار: "أربع من علم الشقاوة: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا" (الزهد وصفة الزاهدين/لابن الأعرابي).
قال ابن القيم: "سبحانه الذي جعل بعض القلوب مخبتًا إليه، وبعضها قاسيًا، وجعل للقسوة آثارًا، وللإخبات آثارًا، فمن آثار القسوة:
1- ذم الله في كتابه قسوة القلب، وأخبر أنها مانع عن قبول الحق والعمل به، قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {74}) (البقرة)
قال ابن عباس رضي الله عنهما - في قوله تعالى": وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ " : "أي من الحجارة لألين من قلوبكم، عمَّا تدعون إليه من الحق فلا تستجيبون" (تفسير ابن كثير).
2- توعَّد الله أصحاب القلوب القاسية بالعذاب الأليم، وبيَّن أن قسوة القلب سبب للضلال وانغلاق القلب: قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {22}) (الزمر).
قوله: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ)؛ أي: "لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشرُّ الكبير".
"أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" "وأيُّ ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليِّه، ومَن كلُّ السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كلِّ ما يضرُّه؟!" (تيسير الكريم الرحمن).
3- القلب القاسي أضعف القلوب إيمانًا، وأسرعها قبولًا للشبهات، والوقوع في الفتنة والضلال، قال تعالي: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ {53}) (الحج: 53).
فمعنى قوله" : وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ" "أي: الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، جعلوه حجة لهم على باطلهم، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله، ولهذا قال: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ أي: مشاقة لله، ومعاندة للحق، ومخالفة له، بعيد من الصواب، فما يلقيه الشيطان، يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين، فيظهر به ما في قلوبهم، من الخبث الكامن فيها"(تيسير الكريم الرحمن).