[size=32] [/size]
[size=32]لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري[/size]
[size=32]تفسير قوله تعالى : [size=31][[/size][size=32]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ] [/size][/size]
أما بعد :
قرأنا في هذه الليلة قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) الله سبحانه و تعالى نادى الخلق (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) إذاً أحق من يُتقى هو من ؟ هو الله الرب الذي خلقك من العدم ، الذي رزقك ،الذي أوجدك ، فالذي رزقك هذه النعم هو الذي يُتقى ،و لذا قال تعالى في أول سورة النساء [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ] {النساء:1} و لذا يقول بعض السلف لا يمكن للعبد أن ينفك عن التقوى ، فالإنسان إن لم يتق الله أتقى غيره ، فإذا لم يتق غضب الله اتقى سخط المخلوق ، فلا يمكن للإنسان أن ينفك من التقوى فإن لم يتق الله سبحانه و تعالى اتقى المخلوق ، ما هي التقوى ؟ لأن التقوى لها ثمار ، التقوى : (هي أن تتخذ من عذاب الله وقاية بفعل أوامره و اجتناب نواهيه ) و قال بعض العلماء إن التقوى هي : ( الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و الرضا باليسير و الاستعداد ليوم الرحيل ) و قال بعض العلماء هي ( أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، و أن تدع معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله )، و قال بعض العلماء إن التقوى( هي ترك الذنوب كليةً) كما قال الشاعر :
خلّّ الذنوب صغيرها و كبيرها ذاك هو التقى
و أعمل كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرا إن الجبال من الحصى
و كل هذه التعاريف تنصب تحت التعريف الأول المشهور، وهي (أن تتخذ من عذاب الله وقاية بفعل أوامره و اجتناب نواهيه ) و التقوى لها ثمار كما أسلفنا و ثمارها كثيرة ، لكن من بين ثمارها أن التقوى تقيك من زلزلة الساعة و لذلك لما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ماذا قال بعدها ؟ (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) و نادى الله سبحانه و تعالى البشر و وصفهم هنا بأنهم (ناس) لأن الناس مشتقة كما قال بعض العلماء إما من النسيان لأن ابن آدم كثير النسيان فيُذكّر ، و إما أن الناس مشتقة من الحركة بمعنى أن ابن آدم لا يمكن أن يكون منفصلا عن الحركة ، أي متحرك بطبعه ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله (إن حديث النبي صلى الله عليه و سلم من أعظم الأحاديث التي تدل على أن ابن آدم متحرك بطبعه ) ما هو هذا الحديث ؟ قال صلى الله عليه و سلم ( أصدق الأسماء حارث و همام ) ما مَكمَن صدقها ؟ أن ابن أدم لابد أن يهم شيئا في قلبه، و لابد أن يتحرك ،و يحرث و يعمل إما خيرا و إما شر ا ، قال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) متى هذه الزلزلة ؟ لا شك أن الأرض كلها تُزلزل كما قال تعالى [إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا] أي تحركت تحركا شديدا على مقدار عظمتها و كبرها ، قد تُزلزل الأرض في هذه الدنيا بعض الشيء، و لكن يوم القيامة تُعطى الأرض حقها من الزلزلة كما قال تعالى [إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا] [إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا] إلى غير ذلك مما ذكره سبحانه و تعالى من زلزلة الأرض ، لكن متى هذه الزلزلة ؟ أهي يوم القيامة أم قبل يوم القيامة ؟ قولان لأهل العلم ، منهم من قال إن هذه الزلزلة في يوم القيامة ، و منهم من قال إن هذه الزلزلة تكون مع قيام الساعة ، و هذا هو الأقرب لِمَ ؟ لأن سبحانه و تعالى ذكر الحامل و المرضع و الحمل و الرضاع لا يكونان في يوم القيامة و إنما يكونان في الدنيا ،فيكون مع قرب قيام الساعة تحصل زلزلة ، و صفها الله تعالى بأنها (شَيْءٌ عَظِيمٌ) و ذكر من عظمتها( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ) أي تغفل و تتلهى (كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) بمعنى أن الأم التي ترضع طفلها تذهل عنه من شدة هذا الموقف(وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) من هول هذه الزلزلة ترى الناس و كأنهم شربوا خمرا فذهبت عقولهم و تبعثرت أعمالهم و أقوالهم و أفعالهم كأنهم شربوا الخمر و لم يشربوا خمرا َتَرَى النَّاسَ سُكَارَى) في الصورة ( وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) ما شربوا خمرا ما العلة ؟ (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ)إذاً ما الذي ينجيك من عذاب الله ؟ ما الذي يقيك من هذه الزلزلة ؟ ما ذكره الله سبحانه و تعالى في صدر هذه السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) نسأل اله تعالى أن ينجينا و إياكم من أهوال الساعة هذا و الله أعلم
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم